إعداد/ عبد العزيز سلطان المنصوب
مرّت أربعة قرون، بعد ظهور الإسلام، قبل أن يظهر مصطلح “الإنسان الكامل” إلى النور باسمه وشكله وصورته. ثم احتاج إلى قرنين آخرين بعد ذلك لكي ينصبغ بملامحه ونفَسِه ودلالته الخاصة، على يد الشيخ الأكبر محيي الدين بن العربي.
والدارس لهذا الأمر لا بد له أن يلحظ بسهولة أنّ هذا المصطلح بعد الشيخ الأكبر لم يعد هو ذاك الذي كان عليه قبله، ولذلك فإنّ بحثنا هذا سيعمل على قراءة مسار هذا التعبير في مرحلتين أساسيتين[1]؛ قبل الشيخ الأكبر وبعده.
المرحلة الأولى: مصطلح “الإنسان الكامل” ما قبل الشيخ الأكبر
تدرّج الفكر الإسلامي -في المرحلة الأولى- باستخدام التعريفات والمصطلحات الممهدة لهذا التعبير على مرحلتين فرعيتين:
أوّلا: مرحلة العمومية باستخدام التعبير المتصل بـ”العالَم” ووصفه إمّا بالكبير والأكبر أو بالصغير والأصغر:
كان أوّل تعبير في هذا المجال هو “العالَم الأصغر” ونبّه إليه الإمام عليّ بن أبي طالب، وجاء في قوله:
وتزعم أنّك جِرم صغير | وفيك انطوى العالَم الأكبر |
ولم يذكر هذا المصطلح في القرن الأوّل غيره. في حين اختفى في القرن الثاني، ليظهر مجددا في القرن الثالث الهجري على يد الجاحظ (ت 255ه-869م) الذي استأثر به وحده وذكره في سبعة مواضع في كتبه: “الحيوان” و”الرسائل” و”البيان والتبيين”، وتعبيراته المستخدمة هي العالم الكبير والعالم الصغير والعالم الأصغر. وتتسع الدائرة قليلا في القرن الرابع ليظهر على يد أربعة من رواده، أوّلهم ابن عبد ربه (ت 328ه- 940م) في “العقد الفريد”، ثم المطهر بن طاهر المقدسي (ت بعد 355ه-966م) في “البدء والتاريخ”، يليه أبو طالب المكي (ت 386ه-996م) -وهو أوّل صوفي يكتب ذلك- في “قوت القلوب”، وأخيرا أبو هلال العسكري (ت 395ه-1005م) في “الفروق اللغوية”.
من الواضح أنّ تعبير العالم الأكبر يشي بمقابِلِهِ وهو العالم الأصغر، والإشارة تبين أنّ العالم الأصغر إنما هو الإنسان الذي خاطبه الإمام علي بن أبي طالب بقوله: “وفيك انطوى العالم الأكبر”. ففي هذا الشطر من البيت لخص الإمام علي كلّ هذه التعبيرات والمصطلحات التي ذكرها من جاء بعده.
ولم يكن ما قصده الإمام علي غائبا عن الجاحظ ويبين ذلك قوله: “أوَ ما علمتَ أنّ الإنسان الذي خُلقت السمواتُ والأرضُ وَمَا بَينَهما مِن أجْله كما قال عزَّ وجلَّ: ﴿سَخَّرَ لَكُمْ مَا في السَّمَوَاتِ وَمَا في الأَرْضِ جَميعاً مِنْهُ﴾ إنَّما سَمُّوه العالَم الصغير سليلَ العالَم الكبير، لِمَا وجَدوا فيه من جَمع أشكالِ ما في العالم الكبير، ووجدْنا له الحواسَّ الخمسَ ووجدُوا فيه المحسوساتِ الخمس، ووجدُوه يأكل اللَّحمَ والحبَّ، ويجمعُ بينَ ما تقتاته البهيمةُ والسبع، ووجَدوا فيه صَولةَ الجمل ووُثوبَ الأسد، وغدْرَ الذئب، ورَوَغان الثعلب، وجُبْن الصِّفْرِد، وجَمْعَ الذَّرَّةِ، وصنْعةَ السُّرْفة وجُودَ الدِّيكِ، وإلفَ الكلب، واهتداءَ الحمام، وربَّما وجدوا فيه ممَّا في البهائم والسباع خُلُقَيْن أو ثلاثة، ولا يبلغُ أن يكون جملاً بأن يكون فيه اهتداؤه وغَيرته، وصَولته وحِقدُه، وصبرُه على حَمْل الثِّقْل، ولا يلزَم شبهُ الذئبِ بقدْر ما يَتَهَيَّأُ فيه من مِثل غدْرِه ومكْرِه، واسترواحِه وتوحُّشه، وشدَّة نُكْره، كما أن الرجلَ يصيبُ الرأيَ الغامضَ المرَّةَ والمرَّتين والثَّلاثَ، ولا يبلغُ ذلك المقدارُ أن يقال له داهيةٌ وذو نَكراء أو صاحبُ بَزْلاء، وكما يخطئ الرجل فيفحُش خَطَاؤه في المرَّة والمرَّتين والثلاث، فلا يبلغ الأمرُ به أن يقال له غبيٌّ وأبلهُ ومنقوص.
وسمَّوه العالمَ الصغيرَ لأنَّهم وجدُوه يصوِّر كلَّ شيءٍ بيده، ويحكي كلَّ صوتٍ بِفَمه، وقالوا: ولأنَّ أعضاءَه مقسومةٌ على البروج الاثني عشر والنجومِ السبعة، وفيه الصفراء وهي من نِتاج النار، وفيه السوداء وهي من نِتاج الأرض، وفيه الدَّمُ وهو من نِتاج الهواء، وفيه البلغَمُ وهو من نِتاج الماء، وعلى طبائعه الأربع وضعت الأوتاد الأربعة، فجعَلوه العالَمَ الصغير، إذ كانَ فيه جميعُ أجزائِه وأخلاطِهِ وطبائعه، ألا تَرَى أنَّ فيه طبائعَ الغضبِ والرضَا، وآلة اليقين والشكِّ، والاعتقاد والوقف وفيه طبائعُ الفِطنةِ والغَباوة، والسلامة والمكر، والنصيحةِ والغِشِّ، والوَفاء والغدر، والرياء والإخلاص، والحبّ والبُغْض، والجِدِّ والهزْل، والبخْل والجُود، والاقتصادِ والسّرَف، والتواضع والكبر، والأُنسِ والوحشة، والفكرة والإمهال، والتمييز والخبْط، والجبْن والشجاعة، والحزم والإضاعة، والتبذير والتقتير، والتبذل والتعزز، والادِّخار والتوكُّل، والقَناعة والحِرْصِ، والرغبة والزُّهْد، والسُّخْط والرِّضا، والصبر والجزَع، والذِّكر والنسيان، والخوفِ والرجاء، والطَّمَعِ واليأس، والتنزُّه والطبَع، والشكِّ واليقين، والحياء والقِحَة، والكِتْمانِ والإشاعة، والإقرار والإنكار، والعلم والجهل، والظلم والإنصاف، والطلب والهَرب، والحِقْد وسرْعة الرضا، والحِدَّةِ وبُعْدِ الغَضب، والسُّرور والهمّ، واللَّذَّةِ والأَلَم، والتأميلِ والتمنِّي، والإصرارِ والنَّدَم، والجِمَاحِ والبَدَوات، والعيِّ والبلاغَة، والنُّطْق والخَرَس، والتصميمِ والتوقف، والتغافُلِ والتفاطُن، والعفوِ والمكافأة، والاستطاعةِ والطبيعة، وما لا يحصى عدده، ولا يُعرَف حَدُّه”.[2]
وهذا النص للجاحظ يشمل كل ما ذكره في النصوص الأخرى، وفيه يتحدث عن المتقابلات بين العالم الأكبر والإنسان، ليصح بذلك كون الإنسان صورة مصغرة للعالم الأكبر.
واستمر أسلوب التناول بعد الجاحظ وفق هذا الفهم. وخلاصته أنه اتسم بسمتين أساسيتين:
- إنّ أدواتها التعبيرية المباشرة هي العالم الأكبر والأصغر والكبير والصغير، والإشارة فيها واضحة إلى الكون والإنسان من غير ذكر الإنسان بالنص.
- فيما يتعلق بالإنسان ليس فيها ما يبين ما إذا كان المقصود به هو الإنسان الفرد، أيّ كان هذا الفرد، أم أنّ المقصود هو الإنسان من كونه جنسا. وتُرِك أمر تحديد ذلك للمراحل التالية.
ثانيا: مرحلة الخصوصية والتعبير بـ”الإنسان”
مع بداية القرن الخامس الهجري حدث الانتقال للتعبير الأخص من “العالَم” إلى “الإنسان”. وكان أوّل ظهور لتعبير “الإنسان الكبير” على لسان أبي حيان التوحيدي (ت 400ه-1010م)، وعبارته هي: “ويمكن أن يقال في نعتها (أي نعت أخلاق الإنسان) على مذهب التقريب: إنها بين المحمودة وبين المذمومة، وبين المشوبة بالحمد والذم، وبين الخارجة منهما. فمن أخلاق النفس الناطقة -إذا صفت- البحث عن الإنسان ثم عن العالم، لأنّه إذا عرف الإنسان فقد عرف العالم الصغير، وإذا عرف العالم فقد عرف الإنسان الكبير، وإذا عرف العالمين عرف الإله الذي بجوده وجد ما وجد، وبقدرته ثبت ما ثبت، وبحكمته ترتب ما ترتب؛ وبمجموع هذا كله دام ما دام”[3].
أمّا أوّل ظهور لتعبير “الإنسان الكامل” على لسان ابن مسكويه (ت 421ه-1030م)، وعبارته هي: ” بل أقول: إنّه مأخوذ على الإنسان الكامل بالعقل ألّا يقعد عن السعي والطلب لتكميل نفسه بالمعارف”[4].
كلا التعبيرين ظهر لمرة واحدة فقط في هذا القرن. واستمر ظهور التعبيرات السابقة على لسان أبي حيان التوحيدي، وأبي منصور الثعالبي (ت 429ه-1038م) في “ثمار القلوب في المضاف والمنسوب” و “يتيمة الدهر” وابن النديم (ت 438ه-1047م) في “الفهرست” وابن حزم الأندلسي (ت 456ه- 1063م) في “الرسائل”.
لم يتغير الوضع كثيرا في القرن السادس الهجري، ولم يرد تعبير “إنسان كبير” سوى مرتين: الأولى ذكرها الراغب الأصفهاني (ت 502ه-1108م)، وعبارته هي: “ولكون العالم والإنسان متشابهين إذا اعتبر قيل الإنسان عالم صغير والعالم إنسان كبير ولذلك قال الله تعالى: ﴿ما خَلْقكم ولا بعثكم الاّ كنفس واحدة﴾. فأشار بالنفس الواحدة إلى ذات العالم”[5].
والثانية ذكرها الشهرستاني (548ه-1153م) نقلا عن “فيثاغورث”[6]، وعبارته هي: “… وكل عالم فهو دون الأوّل بالرتبة، وتتفاضل العوالم بالحسن والبهاء والرتبة. والأخير ثقل العوالم وثفلها وسفلها؛ ولذلك لم يجتمع كل الاجتماع، ولم تتحد الصورة بالمادة كل الاتحاد، وجاز على كل جزء منه الانفكاك عن الجزء الآخر؛ إلا أنّ فيه نوراً قليلاً من النور الأول؛ فلذلك النور وجد فيه نوع ثبات، ولولا ذلك لم يثبت طرف عين، وذلك النور القليل: جسم النفس والعقل الحامل لهما في هذا العالم. وذكر (أي فيثاغورث) أنّ الإنسان بحكم الفطرة واقع في مقابلة العالم كله، وهو عالم صغير، والعالم إنسان كبير؛ ولذلك صار حظه من النفس والعقل أوفر، فمن أحسن تقويم نفسه وتهذيب أخلاقه وتزكية أحواله أمكنه أن يصل إلى معرفة العالم وكيفية تأليفه، ومن ضيّع نفسه ولم يقم بمصالحها من التهذيب والتقويم خرج من عداد العدد والمعدود، وانحل عن رباط القدر والمقدور، وصار ضياعاً هملاً”[7].
وهو الذي أورد أيضا تعبير “الإنسان الكامل” مرة واحدة في ذات الكتاب، ذكره عن الفيلسوف “انكساغورس”[8]، وذكره في قوله: “… وهو أوّل من قال بالكمون والظهور، حيث قدر الأشياء كلها كامنة في الجسم الأوّل؛ وإنما الوجود ظهورها من ذلك الجسم نوعاً وصنفاً ومقداراً وشكلاً وتكاثفاً وتخلخلاً؛ كما تظهر السنبلة من الحبة الواحدة، والنخلة الباسقة من النواة الصغيرة، والإنسان الكامل الصورة من النطفة المهينة..” [9].
وبقيت التعبيرات الأخرى متداولة على يد الراغب الأصفهاني في “غريب القرآن” و أبو بكر بن العربي المعافري (ت 543ه-1148م) في “أحكام القرآن” وابن الجوزي (ت 597ه-1201م) في “أخبار الحمقى والمغفلين”.
وجاء القرن السابع ليشهد الظهور الحقيقي تعبير “الإنسان الكامل”. حيث ظهر أوّل أمره على يد الإمام فخر الدين الرازي (ت 606ه-1210م) في تفسيره المعروف بمفاتيح الغيب. وتعبيراته التي أوردها هي:
- “أمّا كونه بعيداً عن الشهوة والغضب معرضاً عن اللذات الجسمانية متوجهاً إلى عبودية الله تعالى مستغرق القلب، والروح فيه فهو أمر مشترك فيه بين الإنسان الكامل وبين الملائكة”[10]
- ولما كانت مراتب النقصان والكمال ومراتب الإكمال والإضلال غير متناهية بحسب الكمية والكيفية، لا جرم كانت مراتب الولاية والحياة غير متناهية بحسب الكمال والنقصان، فالولي هو الإنسان الكامل الذي لا يقوى على التكميل، والنبي هو الإنسان الكامل المكمل[11].
- إنّ الحرارة الغريزية الحاصلة في بدن الإنسان الكامل إما أن تكون هي عين ما كان حاصلاً في جوهر النطفة أو صارت أزيد مما كانت، والأوّل باطل، لأن الحار الغريزي الحاصل في جوهر النطفة كان بمقدار جرم النطفة ولا شك أنّ جرم النطفة كان قليلاً صغيراً، فهذا البدن بعد كبره لو لم يحصل فيه من الحرارة الغريزية إلا ذلك القدر كان في غاية القلة، ولم يظهر منه في هذا البدن أثر أصلاً. وأما الثاني: ففيه تسليم أنّ الحرارة الغريزية تتزايد بحسب تزايد الجثة والبدن[12].
ما لاحظناه في هذه المرحلة هو استمرار هيمنة تعبير العالَم الأصغر والأكبر وبنفس السياق السابق، إلّا أنّه ظهر فيها أيضا تعبيرا “الإنسان الكبير” و”الإنسان الكامل” وإن في إطار محدود.
بدأها أبو حيان التوحيدي، وهو أحد صوفية المشرق، في البحث لمعرفة الإنسان المقصود. وعبارته سالفة الذكر تتضمن أنّ هذا الإنسان إنما يتطلب بحثا لا يتمكن منه إلّا من صفت أخلاقه فعندئذ يتهيّأ للبحث عن معرفة الإنسان أوّلا ثم معرفة العالَم، وعند تحقق هذه المعرفة يكون صاحبها قد عرف “الإنسان الكبير” الذي هو عبارة عن العالمين الأصغر والأكبر، وإذا عرف هذين العالَمين يكون قد عرف ربّه الذي أوجدهما بجوده.
ثم ظهر تعبير “الإنسان الكامل” بعده ثلاث مرات:
- ذكره ابن مسكويه في بداية القرن الخامس وكان يقصد به صاحب العقل الراجح.
- ذكره الشهرستاني نقلا عن الفيلسوف اليوناني انكساغورس، وكان يقصد به صاحب التكوين البشري الكامل، أي الكامل بالصورة.
- ذكره الإمام الفيلسوف فخر الدين الرازي -في نهاية هذه الفترة- وأضاف إلى مدلول الكامل بالصورة معنى جديدا، قاعدته مراتب النقص أو الكمال الناتجان عن السلوك البشري، تدفعنا إلى أن نطلق على الوليّ تعبير “الإنسان الكامل”، وعلى النبي تعبير “الإنسان الكامل المكمِّل”.
- إننا لم نتحصل ممن ذكرناهم إلّا على نتف يسيرة عن الإنسان الكبير أو الإنسان الكامل تبين وجها واحدا للصورة التي تحمل أوصافا ودقائق كثيرة غائبة لا تلبيها هذه التعريفات، ولعلّ ذلك يعود إلى أنّ مجمل هذه الإشارات إنما جاءت في معرض أحاديث لموضوعات أخرى في الأساس، ولم تكن هي محور الكتابة بحيث نتوقع عندها ذكر الأوجه الأخرى المعلومة لهؤلاء الأئمة عنها. مع الإشارة إلى أنّ جلّ المعلومات عن دلالة هذا التعبير قد انصبّ على العالم الأكبر والعالم الأصغر.
- تدرج ظهور تعبير “الإنسان الكامل” بالإشارة دون التصريح، كما لاحظناه في الجزء الأوّل، ثم “الإنسان الكبير” واختتمه الإمام الرازي بالنص عليه كونه دالا على الولي والنبي.
المرحلة الثانية: مصطلح “الإنسان الكامل” عند الشيخ الأكبر وما بعده
استمر الشيخ الأكبر بذكر تعبيرات العالم الأكبر والأصغر، وكذا الإنسان الكبير والصغير، مثل من سبقه، إلا أنّه لم يكن مسبوقا بحجم عنايته بمصطلح “الإنسان الكامل”، الذي كرر ذكره مئات المرات في عشرات المواضع في كتاب الفتوحات المكية وحده[13]. وفيه قام بتوضيح مختلف جوانب صورة الإنسان الكامل كما يراها.
سنعمل هنا على تبيّن بعض ملامح هذه الصورة وفق رؤية الشيخ الأكبر في الفتوحات المكية[14]، وسيقتصر عملنا فقط على تنسيق عبارات الشيخ الأكبر في عدد من المحاور المتصلة بهذا الأمر.
تبدو أمامنا قضيّتان بيّنتا دواعي خلق الإنسان الكامل كما يراها الشيخ الأكبر:
يوضح الشيخ الأكبر ذلك بأنّ الله “بدأ بإيجاد العالَم، وهيّأه، وسوّاه، وعدله، ورتَّبه مملكة قائمة. فلمّا استعدّ لقبول أن يكون مأموما؛ أنشأ اللهُ جسمَ الإنسانَ الطبيعيّ، ونفخ فيه من الروح الإلهيّ. فخلقه على صورته؛ لأجل الاستخلاف”[15]، ويعود ذلك لأنّ الحقّ تعالى شاء “أن يعطي كمالَه حقَّه، ولم يزل كذلك، وخلق العالَم للتسبيح بحمده -سبحانه- لا لأمر آخر، والتسبيح لله، ولا يكون المسبِّح في حالة الشهود؛ لأنّه فناء عن الشهود، والعالم لا يفتر عن التسبيح طرفة عين، لأنّ تسبيحه ذاتي كالنفَس للمتنفّس؛ فدلّ أنّ العالم لا يزال محجوبا. وطلبُهم بذلك التسبيح (هو) المشاهدة؛ فخلق -سبحانه- الإنسان الكامل على صورته، وعرّف الملائكة بمرتبته، وأخبرهم بأنّه الخليفة في العالم، وأنّ مسكنه الأرض، وجعلها له دارا لأنّه منها خلقه. وشغل الملأ الأعلى به سماءً وأرضا؛ فسخّر له جميع مَن في السماوات ومن في الأرض منه، أي من أجله، واحتجب الحقُّ؛ إذ لا حكم للنائب بظهور من استخلفه؛ فاحتجب عن البصائر كما احتجب عن الأبصار”[16] وبيّن تعالى ذلك بقوله للملائكة: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾.
“فالإنسان الكامل الظاهر بالصورة الإلهيّة، لم يعطه الله هذا الكمال إلّا ليكون بدلا من الحقّ؛ ولهذا سمّاه خليفة. وما بعده، من أمثاله، خلفاء له. فالأوّل وحده هو خليفة الحقّ. وما ظهر عنه من أمثاله في عالم الأجسام؛ فهم خلفاء هذا الخليفة، وبدل منه في كلِّ أمر يصحّ أن يكون له”[17].
2- لتكمل مراتب المعرفة ويكمل الوجود بوجود المحدَث:
إذ “أراد الله -سبحانه- أن يُعْرَف.. بالمعرفة الحادثة؛ لتكمل مراتب المعرفة، ويكمل الوجود بوجود المحدَث”[18] كما يبيّنها قوله: «كنتُ كنزا لم أُعرف فأحببتُ أن أُعرف فخلقت الخلق وتعرّفت إليهم فعرفوني».
ولكن كيف لا تتأتى هذه المعرفة إلا للإنسان الكامل؟ يقرّر الشيخ الأكبر هنا “أنّ كلّ شيء لا يَعلم شيئا إلّا مِن نفسه، وهو يحبّ أن يعرفه غيرُه، ولا يعرفه ذلك الغير إلّا مِن نفسه. فإن لم يكن العارف على صورة المعروف فإنّه لا يعرفه، فلا يحصل المقصود الذي له قُصِدَ الوجود. فلا بدّ مِن خلقه على الصورة، لا بدّ من ذلك. وهو -تعالى- الجامع للضدَّين، بل هو عين الضدّين؛ فـ ﴿هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ﴾ ؛ فخلق الإنسان الكامل على هذه المنزلة. فالإنسان عين الضدِّين، أيضا، لأنّه عين نفسه في نِسبته إلى النقيضين. فهو الأوّل بجسده والآخر بروحه، والظاهر بصورته والباطن بموجب أحكامه، والعين واحدة”[19].
ولذلك “فإنّ الإنسانَ الكامل بنفسه عرفه، والإنسانُ الحيواني عرفه بعقله بعد ما استعمل آلةَ فِكره… فما عرف الحقَّ إلّا الإنسانُ الكامل، ولهذا وصفته الأنبياء بما شهدوه وأنزل عليهم بصفات المخلوقين؛ لوجود الكمال الذي هو عليه الحقّ. وما وصل إلى هذه المعرفة بالله لا ملَك ولا عقل إنسان حيواني؛ فإنّ الله حجب الجميع عنه، وما ظهر إلّا للإنسان الكامل، الذي هو: ظلُّه الممدود، وعرشه المحدود، وبيته المقصود، الموصوف بكمال الوجود. فلا أكمل منه؛ لأنّه لا أكمل من الحقّ -تعالى-. فعلِمه الإنسانُ الكامل من حيث عقله وشهوده، فجمع بين العلم البصريّ الكشفيّ وبين العلم العقليّ الفكريّ”[20].
ونفهم هنا لماذا جعل الله له عينين؛ وذلك حتى “ينظر بالعين الواحدة إليه من كونه غنيّا عن العالمين؛ فلا يراه في شيء، ولا في نفسه. وينظر إليه بالعين الأخرى من اسمه “الرحمن” بكونه يطلب العالَم، ويطلبه العالَمُ؛ فيراه ساري الوجود في كلّ شيء. فيفتقر بهذه النظرة، من هذه العين، إلى كلّ شيء، من حيث ما هي الأشياء أسماء الحقّ، لا من حيث أعيانها”[21].
ما هو الكمال الذي للإنسان الكامل
يبيّن الشيخ الأكبر “أنّ أصل الأشياء كلِّها التفرقة، وأوّل ما ظهرت (التفرقة) في الأسماء الإلهيّة؛ فتفرّقت أحكامها بتفرُّق معانيها.. وبالتفرقة ظهرتْ المقامات والأحوال، وكثرت مراتب الخلق وتميّزت بها.. وفرّق – عز وجل – بين عباده بالمراتب”[22]. ولمّا كان الخلق على مراتب كثيرة، وهذه المراتب كلّها إلهيّة بالأصالة، وظهرت أحكامها في الكون، فإنّ أعلى رتبة إلهيّة إنما ظهرت في الإنسان الكامل.
أهم خصائص مرتبة الإنسان الكامل:
- “مرتبة الإنسان الكامل من العالم، مرتبة النفس الناطقة من الإنسان”[23].
- إنّ “أعلى الرتب رتبة الغنى عن كلّ شيء، وتلك الرتبة لا تنبغي إلّا لله من حيث ذاته. وأعلى الرتب في العالم الغنى بكلّ شيء، وإن شئت قلتَ: الفقر إلى كلّ شيء، وتلك رتبة الإنسان الكامل. فإنّ كلّ شيء خلِق له، ومن أجله، وسخِّر له”[24].
- “الإنسان الكامل مَن تُمِّمَتْ له الصورة الإلهيّة، ولا يكمل إلّا بالمرتبة”[25].
- أعلى منزلة في مرتبة الكمال المطلوبة في الإنسانيّة ينالها “مَن هو ظِلُّ الله؛ وهو الإنسان الكامل، نائب الحقّ؛ بكون الحقّ لسانه وجميع قواه”[26].
- “كلُّ مَن في العالم جاهل بالكلّ، عالِمٌ بالبعض، إلّا الإنسان الكامل وحده؛ فإنّ الله علّمه الأسماء كلّها، وآتاه جوامع الكلم؛ فكملت صورته؛ فجمع بين صورة الحقّ وصورة العالَم؛ فكان برزخا بين الحقّ والعالم، مرآة منصوبة؛ يَرى الحقُّ صورَتَه في مرآة الإنسان، ويرى الخلقُ أيضا صورتَهُ فيه. فمَن حصل في هذه المرتبة؛ حصّل رتبة الكمال الذي لا أكمل منه في الإمكان”[27].
- كما أنّ من خصائص مَن خلقه اللهُ على صورته، وهو الإنسان الكامل “لا حول ولا قوّة إلّا بالله”. وهو أمر ينفرد به الإنسان الكامل، ذلك “أنّ الملَك ليس من حقيقته أن يكون هذا مقامه، بل هو المتبرّي؛ لأنّه ليس بعبد جامع، وإنما هو عضو من أعضاء العبد الجامع. فالعبد الجامع هو الذي لم تَبْقَ صفةٌ في سيّده إلّا وهي فيه. ومن صورته في الاقتدار على إيجادنا؛ قبولُنا لذلك، فما ثمّ قوّة مطلَقة من واحد دون مساعد. فلمّا علم منّا أنّا نعلم ذلك؛ شرع لنا أن نستعين به؛ إذ القابلُ يحتاج إلى مقتدر، كما أنّ المقتدر طلب القَبُولَ من القابل؛ فصحّت القسمة بيننا وبينه -تعالى- فإنّه الصادق، وقد قال: «قسمتُ الصلاة بيني وبين عبدي نصفين؛ فنصفها لي ونصفها لعبدي» فالاقتدار منه، والقبول منّا؛ وبهما ظهر العالَم في الوجود. الدليل (هو) أنّ المحال لا يقبل الوجود، فلا ينفذ فيه الاقتدار؛ لأنّ من حقيقة الاقتدار أنّه لا يتعلّق إلّا بالممكن، ولا معنى للممكن إلّا القبول؛ فلا يصحّ أن يقول: “لا حول ولا قوّة إلّا بالله” إلّا العبد الجامع. فكلُّ مَن تبرّأ فهو جزءٌ من الجامع، وكلّ من أثبت الأمرين فهو جامِعٌ، عالِمٌ بنفسه وبربّه، أديبٌ وَفَّى الأمرَ حقّه.”[28].
لماذا لا يكون الكمال إلا للإنسان:
هنالك أسباب يسردها الشيخ الأكبر، ومنها:
- كونه آخر المخلوقات؛ فإنّ “المولَّد يجمع حقائق ما فوقه، حتى ينتهي إلى الإنسان، وهو آخِرُ مولَّد: فتجتمع فيه قوى جميع العالَم والأسماء الإلهيّة بكمالها؛ فلا موجود أكمل من الإنسان الكامل”[29].
- “إنّ الله ما خلق أَوّلا من هذا النوع إلّا الكامل، وهو آدم u. ثمّ أبان الحقّ عن مرتبة الكمال لهذا النوع… وليس في الموجودات مَن وَسِعَ الحقَّ سِوَاه، وما وسعه إلّا بقبول الصورة؛ فهو مجلى الحقّ، والحقّ مجلى حقائق العالَم بروحه، الذي هو الإنسان”[30].
- “ما ثَمّ موجود يقبل التسمية بجميع الأسماء الإلهيّة إلّا الإنسان. وقد نُدِبَ إلى التخلّق بها. ولهذا أُعطي الخلافة والنيابة، وعُلِّم الأسماءَ كلَّها”[31]. “ظهر ذلك بالنصّ في آدم، وخفي في غيره”[32].
- “إنّ الله لَمّا خلق العقل الأوّل، أعطاه من العلم ما حصل له به الشرف على مَن هو دونه، ومع هذا ما قال فيه: إنّه مخلوق على الصورة. مع أنّه مفعول إبداعيّ، كما هي النفس مفعول انبعاثي. فلمّا خلق الله الإنسان الكامل أعطاه مرتبة العقل الأوّل، وعلّمه ما لم يعلمه العقل من الحقيقة الصوريّة؛ التي هي الوجه الخاص له من جانب الحقّ، وبها زاد على جميع المخلوقات، وبها كان المقصود من العالم”[33].
- “هو أكمل الموجودات معرفةً بالله، وأدومهم شهودا”[34].
- إنّ الله “خصَّه، دون العالم كلِّه، بالقوّة المفكرة التي بها يدبِّر الأمورَ ويفصِّلها، وليس لغيره من العالَم ذلك؛ فإنّه على الصورة الإلهيّة، ومِن صورتها: ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ﴾”[35].
- إنّ اللهَ “بدأ بإيجاد العالَم، وهيّأه، وسوّاه، وعدله، ورتَّبه مملكة قائمة. فلمّا استعدّ لقبول أن يكون مأموما؛ أنشأ اللهُ جسمَ الإنسانَ الطبيعيّ، ونفخ فيه من الروح الإلهيّ. فخلقه على صورته؛ لأجل الاستخلاف؛ فظهر بجسمه؛ فكان المسمّى: “آدم” فجعله في الأرض خليفة، وكان من أمره وحاله مع الملائكة ما ذكرَ اللهُ في كتابه لنا، وجعل الإمامة في بنيه إلى يوم القيامة”[36].
- وقد كان الله قدَّر عين الإنسان الكامل “على كلّ ما أوجده قبل وجود الإنسان: من عقل، ونفس، وهباء، وجسم، وفلَك، وعنصر، ومولّد؛ فلم يُعْطَ شيء منها رتبة كماليّة إلّا الوجود الإنسانيّ، وسمّاه إنسانا. لأنّه آنَسَ الرتبة الكماليّة، فوقع بما رآه الأُنسُ له، فسمّاه: إنسانا”[37].
خلق الإنسان الكامل على صورة الحضرة الإلهية:
في حديث «إنّ الله كان ولا شيء معه» يقرّر الشيخ إنه: “كان ولا شيء معه في كونه من حيث عينه. فليس لمخلوقٍ عين في ذلك الكون؛ مع تعلُّق العلم من العليم أنّ ثَمّ حادثا يتميّز عن القديم، يتأخَّرُ كونُه تأخُّرَ وجود؛ كتأخُّرِ الزمان عن الزمان في غير زمان محدود”[38].
ولمّا خلق الله الإنسان الكامل فإنما خلقه على صورة الحضرة الإلهية، “والحضرة الإلهيّة على ثلاث مراتب: باطن، وظاهر، ووسط. وهو ما يتميّز به الظاهر عن الباطن، وينفصل عنه، وهو البرزخ. فله وجه إلى الباطن، ووجه إلى الظاهر[39]، بل هو الوجه عينه، فإنّه لا ينقسم. وهو الإنسان الكامل: أقامه الحقّ برزخا بين الحقّ والعالَم، فيظهر بالأسماء الإلهيّة فيكون حقّا، ويظهر بحقيقة الإمكان فيكون خلقا. وجعله على ثلاث مراتب: عقل، وحسّ -وهما طرفان- وخيال؛ وهو البرزخ الوسط بين المعنى والحسّ”[40].
والواقع أنه “ما من شيء في العالم، إلّا وله حظّ من الصورة الإلهيّة، والعالَم كلّه على الصورة الإلهيّة، وما فاز الإنسانُ الكامل إلّا بالمجموع، لا بكونه جزءا من العالَم، ومنفعلا عن السماوات والأرض من حيث نشأته. ومع هذا فهو على الصورة الإلهيّة كما أخبر رسول الله e : «إنّ اللهَ خلقَ آدمَ على صورته» واختُلف في ضمير الهاء من “صورته” على من يعود. وفي رواية -وإن ضَعُفَتْ-: «على صورة الرحمن» وما كَمُلت الصورةُ من العالَم إلّا بوجود الإنسان. فامتاز الإنسانُ الكامل عن العالَم -مع كونه من كمال الصورة للعالَم الكبير، بكونه على الصورة- بانفراده من غير حاجة إلى العالَم”[41].
إذن فإنّ الصورة التي خُلق الإنسان الكامل عليها هي صورة الحضرة الإلهية. يقول تعالى: ﴿اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾. ويعتبر الشيخ هذه الآية أهمّ الأدلة القرآنية “على أنّ الإنسان الكامل مخلوق على الصورة.. لدخول اللام في قوله: ﴿وَلِلرَّسُولِ﴾ وفي أمره -تعالى- لمن أَيَّهَ به من المؤمنين بالإجابة لدعوة الله -تعالى- ولدعوة الرسول”[42]. “وورد في الصحيح: «إنّ الله خلق آدم على صورته» وهو الإنسان الكامل، المختصر، الظاهر بحقائق الكون كلّه، حديثه وقديمه”[43]. ولذلك فإنّ “الإنسان كامل بربّه لأجل الصورة”[44].
“ومن نشأته أيضا الطبيعيّة القائمة من الأربع الطبائع، مع القوّة الناطقة التي اختصّ بها في طبيعته، دون غيره مما خلق من الطبيعة، كالصورة الإلهيّة القائمة على أربع، الذي لا يعطي الدليل العقلي غيرها، وهي: الحياة، والعلم، والقدرة، والإرادة”[45].
“ولمّا خلق العرش، وأُمِرَت الملائكةُ أن تحمله؛ لم تُطِقه. فلمّا عجزت؛ قام الحامل الواحد منهم الذي على صورة الإنسان، فقال بلسانه لما أعطاه الله: “لا حول ولا قوّة إلّا بالله” فقال من بقي من الحمَلة بقوله؛ فحملت العرش وأطاقته. فلمّا أوجد اللهُ الإنسانَ الكامل جَعَلَ له قلبا كالعرش، جعله بيتا له. فما في العالَم من يطيق حمل قلب المؤمن؛ لأنّهم عجزوا عن حمل العرش. وهو في زاوية من زوايا قلب المؤمن، لا يحسّ به ولا يعلم أنّ ثمّ عرشا؛ لِخِفَّتِهِ عليه، وجعل أسماءَه الحسنى تحفُّ بهذا القلب، كما تحفُّ الملائكة بالعرش، وجعل حَمَلَتَهُ: العلمَ الإلهيّ، والحياةَ، والإرادةَ، والقولَ؛ أربعة. فالحياةُ نظير الحامل الذي على صورة الإنسان مِن حملة العرش؛ لسريان الحياة في الأشياء؛ فما ثَمّ إلّا حيٌّ، والحياةُ الشرطُ المصحِّح لبقيّة الصفات مِن عِلم، وإرادة، وقول”[46].
وأخيرا فإنّ خلق الإنسان على الصورة هو الذي يفسر تفرده من بين المخلوقات بادّعاء الألوهية؛ ذلك أنه “مَن ظهر في صورة كان له حكمها. ومن هنا تُعرف مرتبة الإنسان الكامل الذي خلقه الله على صورته، ولتلك الصورة حكم، فتبع الحكم الصورة، فلم يَدَّعِ الألوهيّة لنفسه أحدٌ من خلق الله إلّا الإنسان الذي ظهر بأحكام الأسماء والنيابة، فكان مَلِكا مُطاعا كفرعون وغيره”[47].
ما فائدة خلق الإنسان الكامل على الصورة:
بعد أن يقرّر الشيخ “أنّ الله ما خلق سماء وأرضا، وما بينهما باطلا. ولا خَلَق الإنسانَ عبثا؛ بل خلقه ليكون وحده على صورته”[48]. فإنه يفترض قول قائل: “ما فائدة خلق الإنسان الكامل على الصورة؟” ثم يجيب قائلا: “ليظهر عنه صدور الأفعال والمخلوقات كلّها، مع وجود عينه عندَه: إنّه عبدٌ. فإنّ غاية الأمر الإلهيّ أن يكون الحقُّ سمعَ العبد، وبصرَه؛ بل جميع قُواه. فقال -تعالى-: «فإذا أحببته كنت سمعَه وبصرَه ويدَه» الحديث. فأثبت بالضمير عينَه عبدا، لا ربوبيّة له. وجعل ما يظهر به وعليه ومنه أنّ ذلك هو الحقّ -تعالى- لا العبد”[49].
“فخَلق (اللهُ) الإنسانَ الكامل على صورته، ومكّنه، بالصورة، من إطلاق جميع أسمائه عليه: فردا فردا، أو بعضا بعضا. لا ينطلق عليه مجموع الأسماء معًا في الكلمة الواحدة؛ ليتميّز الربُّ من العبد الكامل. فما من اسم من الأسماء الحسنى، وكلّ أسماء الله حسنى، إلّا وللعبد الكامل أن يُدْعَى بها، كما لَه أن يدعو سَيِّدَهُ بها”[50].
يجدر بنا هنا التنبيه إلى طبيعة الصلة بين الحقّ والخلق، فهذه القضية التبس أمرها على كثير ممن لم يسلكوا النهج العرفاني الصوفي، وصعب عليهم استيعاب مقصد الشيخ في استخدامه تعبيرات تبدو غريبة مثل “إنه ليس غيره بل هو هو” و”الحقّ عين العبد” ويرون فيه توحّد ذات العبد في ذات الرب.. الخ.
وبالعودة إلى أقواله ومقاصده نجد الآتي:
عن الذات الإلهية يقطع جازما أنّ “الذات مجهولة؛ فلا تقل فيها علّة ولا معلولة”[51]. وبالتالي لا يصح تفسير كلامه حين يذكر العين بأنه يقصد الذات مطلقا؛ فإنّ الذات مجهولة، ولا حديث عن مجهول.
ويزيد في التأكيد أنه “يستحيل على ذات الحقّ أن تجتمع مع الممكن في صفة. فإنّ كلّ صفة يتّصف بها الممكن يزول وجودُها بزوال الموصوف بها، أو تزول هي مع بقاء الممكن، كصفات المعاني، والأَوْلَى كصفات النفس. ثمّ إنّ كلّ صفة منها ممكنة، فإذا طردوها شاهدا وغائبا؛ فقد وصفوا واجب الوجود لنفسه، بما هو ممكن لنفسه. والواجب الوجود لنفسه لا يقبل ما يمكن أن يكون، ويمكن أن لا يكون. فإذا بطل الاتّصاف به من حيث حقيقة ذلك الوصف لم يبق إلّا الاشتراك في اللفظ، إذ قد بطل الاشتراك في الحدّ والحقيقة. فلا يجمع صفة الحقّ وصفة العبد حدٌّ واحد أصلا”[52].
أمّا العين فالنظر إليها يأتي من كونها واحدة لأفراد الجنس الواحد، وهي في ذات الوقت كثيرة بالصور، فالنبات من كونه نباتا عينه واحدة بالحد الذاتي، كثير بالصور، وكذا الإنسان فـ “إنّ زيدا ليس هو عين عمرو من حيث صورته، وهو عين عمرو من حيث إنسانيّته؛ لا غيره أصلا. وإذا لم يكن غيره في إنسانيّته؛ فليس مثله؛ بل هو هو. فإنّ حقيقة الإنسانيّة لا تتبعّض؛ بل هي في كلّ إنسان بعينها لا بجزئيّتها”[53].
وهكذا حين يذكر الشيخ إنّ “مآلُ العارفين ورجوعُهم، مع ثبوت عينِهم، إلى أنّ الحقَّ عينُهم، لا هم”[54] فإنه يعيد ذلك لكون الخلق مطويّا في الحقّ لقول الله -تعالى- لآدم ويداه مقبوضتان: «يا آدم؛ اختر أيّتهما شئت». فقال آدم: «اخترت يمين ربّي، وكلتا يدي ربّي يمين مباركة. فبسَطها فإذا فيها آدم وذريّته»[55]، ولو فتح الأخرى لكان فيها سائر العالم. “فعلم من أين صدر؟ وكيف صدر؟ وما علِم: هل له رجوع أم لا؟ فقيل له: ﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ﴾، ﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ وعلم أنّ الرجوع إنما هو رَدٌّ إلى الأصل؛ وقد علم أصل الوجود؛ فعلم إلى أين يرجع”.
ونفس الأمر حين يشير إلى أنّ الحقّ عينُ صفة العبد، ومنطلقه هنا الحديث النبوي المشهور: «.. فإذا أحببته كنت سمعَه الذي يسمع به، وبصرَه الذي يبصر به.. الخ»[56].
وإذ تبيّن ذلك نعود إلى تبيّن الصلة بين الحقّ والإنسان الكامل.
يرى الشيخ أنه لمّا كان الإنسان “مثال الصورة الإلهيّة، كالظلّ للشخص الذي لا يفارقه على كلّ حال؛ غير أنّه يظهر للحسِّ تارة ويخفى تارة. فإذا خفي فهو معقول فيه، وإذا ظهر فهو مشهود بالبصر لمن يراه. فالإنسان الكامل في الحقّ، معقول فيه؛ كالظلّ إذا خفي في الشخص؛ فلا يظهر. فلم يزل الإنسان أزلا. ولهذا كان مشهودا للحقّ، من كونه موصوفا بأنّ له بصرا. فلمّا مدّ الظلّ منه ظهر بصورته، ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا﴾ أي ثابتا فيمن هو ظلّه؛ فلا يمدّه؛ فلا يظهر له عين في الوجود الحسّيّ إلّا لله وحده. فلم يزل مع الله، ولا يزال مع الله؛ فهو باق ببقاء الله. وما عدا الإنسان الكامل فهو باق بإبقاء الله”[57].
ولمّا قال الحق: «كنتُ كنزا لم أُعرف فأحببتُ أن أُعرف فخلقت الخلق وتعرّفت إليهم فعرفوني» فإنه هنا “جعل نفسه كنزا، والكنز لا يكون إلّا مكتنَزا في شيء. فلم يكن كنزُ الحقِّ نفسَه إلّا في صورة الإنسان الكامل في شيئيّة ثبوته؛ هناك كان الحقّ مكنوزا. فلمّا كسا الحقُّ الإنسانَ ثوبَ شيئيّة الوجود؛ ظهر الكنز بظهوره؛ فعرفه الإنسان الكامل بوجوده، وعلِم أنّه كان مكنوزا فيه؛ في شيئيّة ثبوته، وهو لا يشعر به”[58]. وصار “الإنسان الكامل ينظر بعين الله، وهو قوله: «كنت بصرَه الذي يبصر به»”[59].
“فالإنسان الكامل مِثْلٌ من حيث الصورة، ضِدّ من حيث أنّه لا يصحّ أن يكون في حال كونه عبدا؛ ربّا لمن هو له عبدٌ. خِلافٌ من حيث أنّ الحقّ سمعُه، وبصرُه، وقواه. فأثبته، وأثبت نفسَه في عين واحدة. فـ «مَن عَرَف نفسَه عَرَف ربَّه» معرفة مِثلٍ، وضِدٍّ، وخلافٍ؛ فهو الوليّ العدوّ”[60].
و”جعل اللهُ رتبتَه وسَطًا بين كينونته مستويا على عرشه، وبين كينونته في قلبه الذي وَسِعه. فله نظرٌ إليه في قلبه؛ فيرى أنّه نقطة الدائرة، وله نظرٌ إليه في استوائه على عرشه؛ فيرى أنّه محيط الدائرة؛ فهو بكلِّ شيء محيط. فلا يظهرُ خطٌّ من النقطة إلّا ونهايته إلى المحيط، ولا يظهر خطٌّ من المحيط من داخله إلّا ونهايته إلى النقطة؛ وليست الخطوط سِوَى العالَم؛ فـ﴿إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ﴾، والكلّ في قبضته ﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ﴾”[61].
الإنسان الكامل والإنسان الحيوان:
ذكرنا في البداية أنّ الكمال الذي يقصده الشيخ إنما هو مرتبة وليس للإنسان بما هو إنسان فقط، ومن ثم فلا يناله إلا من حاز المرتبة المطلوبة. وفات هذا الأمر على من “حصل في سمعه أنّه مخلوق على صورة الحقّ، ولم يفرّق بين الإنسان الكامل وبين الإنسان الحيوان، وتخيّل أنّ الإنسان، لكونه إنسانا، هو على الصورة؛ وما هو كما وقع له”[62].
“فإذا لم يحز إنسان رتبة الكمال فهو حيوان تشبه صورته الظاهرة صورة الإنسان”[63]. و”نسبته إلى الإنسان، نسبة جسد الميّت إلى الإنسان. فهو إنسان بالشكل، لا بالحقيقة: لأنّ جسد الميّت فاقِد، في نظر العين، جميعَ القوى؛ وكذلك هذا الذي لم يكمُل. وكماله بالخلافة، فلا يكون خليفةً إلّا مَن له الأسماء الإلهيّة بطريق الاستحقاق، أي هو على تركيب خاص يقبلها؛ إذ ما كلّ تركيب يقبلها”[64].
“فإنّ الكامل له رزق إلهيّ لا يناله الإنسان الحيوان، وهو ما يتغذّى به من علوم الفكر الذي لا يكون للإنسان الحيوان، والكشف والذوق والفكر الصحيح”[65]. كما أنّ “الإنسان الكامل -لا الإنسان الحيوان- أكمل نشأة للحقائق التي أنشئ عليها، (وهي) حقائق الأسماء الإلهيّة وحقائق العالَم. وهو الذي أنشأه الله على الصورة؛ فهو بجمعيّته حقٌّ كلّه”[66].
الإنسان الكامل هو من جمع بين الحقائق الإلهية وحقائق العالم:
يذكر الشيخ أنه “لمّا خلق اللهُ العالَم دون الإنسان، أي دون مجموعه، فحذا صورته (أي صورة الإنسان) على صورة العالَم كلّه؛ فما في العالم جزء إلّا وهو على صورة الإنسان. وأريد بالعالَم كلَّ ما سِوَى الله. ففصله عن العالَم بعد ما دبَّره، وهو عين الأمر المدبَّر. ثمّ إنّه -تعالى- حذاه حذوا معنويّا على حضرة الأسماء الإلهيّة، فظهرت فيه ظهور الصور في المرآة للرائي. ثمّ فصله عن حضرة الأسماء الإلهيّة، بعد ما حصلت فيه قواها؛ فظهر بها في روحه وباطنه. فظاهِر الإنسان خَلْقٌ، وباطنه حقّ. وهذا هو الإنسان الكامل المطلوب”[67].
وجمع الله “في الإنسان الكامل بين الصورتين الطبيعيّتين في نشأته: فخلقه بجسم مظلم كثيف، وبجسم لطيف محمول في هذا الجسم الكثيف، سمّاه روحا له، به كان حيوانا؛ وهو البخار الخارج من تجويف القلب المنتشر في أجزاء البدن المعطى فيه النموّ والإحساس. وخصَّه، دون العالم كلِّه، بالقوّة المفكرة التي بها يدبِّر الأمورَ ويفصِّلها، وليس لغيره من العالَم ذلك؛ فإنّه على الصورة الإلهيّة، ومِن صورتها: ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ﴾”[68].
الإنسان الكامل برزخ بين الحق والعالم:
الإنسان الكامل وحده؛ هو الذي علّمه الله “الأسماء كلّها، وآتاه جوامع الكلم؛ فكملت صورته؛ فجمع بين صورة الحقّ وصورة العالَم؛ فكان برزخا بين الحقّ والعالم، مرآة منصوبة؛ يَرى الحقُّ صورَتَه في مرآة الإنسان، ويرى الخلقُ أيضا صورتَهُ فيه”[69]. ولكونه برزخا بين الحقّ والعالم فإنّه “يظهر بالأسماء الإلهيّة فيكون حقّا، ويظهر بحقيقة الإمكان فيكون خلقا”[70].
وَما عَلَى اللهِ بِمُسْتَنْكَرٍ … أَنْ يَجْعَلَ العالَمَ فِي واحِدِ
نتساءل أوّلا: ما معنى أن يكون الإنسان خليفة؟ وكيف اختص الإنسان الكامل بالخلافة؟
للإجابة عن السؤال الأول، يبيّن الشيخ اتفاق حكم الخليفة مع حكم المستخلِف، وإلا لما كان خليفة. يقول: “فما من حكم للنائب -مما له أثر في الكون، أو تنزيه عن المِثل- إلّا وذلك الحكم لمن استنابه”[71]. مع التذكير بأنّ هذا الاتفاق إنما هو بالحكم ليس إلّا “فالأمر بيننا وبينه على السَّوَاء. مع الفُرقان الموجود المحقّق: فإنّه الخالق ونحن المخلوقون، وهو الله وأنا الإنسان الخليفة. فيشركنا في الخلافة لتحقُّق الصورة، فإنّه أمرنا أن نتّخذه وكيلا، والوكالة خلافة”[72].
أمّا كيف حصل اختصاص الإنسان الكامل بالخلافة، يشير الشيخ إلى أنّ ذلك بالمشيئة الإلهية “ولو شاء جعلها فيمن جعلها من خلقه.. ولا يصحّ أن تكون إلّا في مسمّى الإنسان الكامل، ولو جمعها في غير الإنسان من المخلوقات؛ لكان ذلك الجامع عينُ الإنسان الكامل؛ فهو الخليفة بالصورة التي خُلِق عليها. فإن قلت: فالعالَم كلّه إنسان كبير، فكان يكفي؟ قلنا: لا سبيل. فإنّه لو كان هو عين الخليفة؛ لم يكن ثمّ على مَن! فلا بدّ من واحدٍ جامعٍ صُوَرَ العالَم وصورةَ الحقّ، يكون (هذا الواحد)، لهذه الجمعيّة، خليفةً في العالَم، من أجل الاسم الظاهر”[73]. “فلمّا كان له هذا الاسم “الجامع” قابَل الحضرتين بذاته، فصحّت له الخلافة، وتدبير العالم وتفصيله”[74].
عبودية الإنسان الكامل محضة:
بماذا تفترق عبودية الإنسان الكامل وعبادته عن غيره؟ الأمر هنا تحكمه المعرفة. وهي لدى الإنسان الكامل على الكمال الذي تطلبه الصورة الإلهيّة، وليس ذلك لغيره.. ومن ثم فإنه “لا تصحّ العبوديّة المحضة التي لا تشوبها ربوبيّة أصلا إلّا للإنسان الكامل وحده. ولا تصحّ ربوبيّة أصلا لا تشوبها عبودةٌ بوجهٍ من الوجوه إلّا لله -تعالى-. فالإنسان (الكامل) على صورة الحقّ من التنزيه، والتقديس عن الشَّوْب في حقيقته، فهو المألوه المطلَق. والحقّ -سبحانه- هو الإله المطلَق. وأعني بهذا كلّه الإنسان الكامل. وما ينفصل الإنسان الكامل عن غير الكامل إلّا برقيقة واحدة؛ وهي أن لا تشوب عبوديّته ربوبيّة أصلا”[75].
هذا الاختلاف أدّى إلى أنّ “كلّ مَن في الوجود من المخلوقات يعبد الله على الغيب؛ إلّا الإنسان الكامل المؤمن؛ فإنّه يعبده على المشاهدة. ولا يكمل العبد إلّا بالإيمان، فله النور الساطع؛ بل هو النور الساطع الذي يزيل كلّ ظلمة. فإذا عبده على الشهادة؛ رآه جميعَ قُواه؛ فما قام بعبادته غيرُه، ولا ينبغي أن يقوم بها سِوَاهُ. فما ثَمّ مَن حصل له هذا المقام إلّا “المؤمن” الإنسانيّ؛ فإنّه ما كان مؤمنا إلّا بربّه، فإنّه -سبحانه- المؤمن”[76]. و الإنسان الكامل وحده من “يعبد ربّه الغنيّ عنه؛ فكماله أن لا يستغني عنه. وما ثَمّ من لا يعبده من غير تسبيح إلّا الكامل؛ فإنّ التجلّي له دائم”[77].
الإنسان الكامل روح العالم:
ذكر الله تعالى في القرآن الكريم أنّه حين خلق الخليفة الإنساني نفخ فيه من روحه. ولم يذكر الحقّ تعالى ذلك في غيره من المخلوقات. وفي موضع آخر ذكر نفخ عيسى u في الطين ليصير طيرا بإذن الله. من هذه المقابلة يذكر الشيخ الأكبر في أكثر من موضع أنّ الإنسان الكامل الخليفة إنما جعله الله تعالى روحا للعالم.
يقول: “فلمّا أراد الله كمال هذه النشأة الإنسانيّة، جمع لها بين يديه، وأعطاها جميع حقائق العالم، وتجلّى لها في الأسماء كلّها: فحازت الصورةَ الإلهيّة والصورةَ الكونيّة. وجعلها روحا للعالَم، وجعل أصناف العالم له كالأعضاء من الجسم للروح المدبِّر له؛ فلو فارق العالَمَ هذا الإنسانُ مات العالَمُ”[78]. كما أنه “ليس العالم إنسانا كبيرا إلّا بوجود الإنسان الكامل، الذي هو نفسُه الناطقة. كما أنّ نشأة الإنسان لا تكون إنسانا إلّا بنفسها الناطقة. ولا تكون كاملةً هذه النفسُ الناطقة من الإنسان إلّا بالصورة الإلهيّة، المنصوص عليها من الرسول e. فكذلك نفسُ العالَم (الناطقة) الذي هو محمد e حاز درجة الكمال، بتمام الصورة الإلهيّة في البقاء والتنوّع في الصور، وبقاء العالَم به”[79].
لا يتوجه على الإنسان الكامل خطاب الميزان:
وهناك تميّز آخر يذكره الشيخ الأكبر للإنسان الكامل، وهو عدم توجّه التهديد الوارد في قوله تعالى ﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ﴾ إليه. يقول في شرح هذه الآية: “وإنما سمّانا بالثقلين، لما فينا من الثِّقَل، وهو عين تأخُّرنا بالوجود، فأبطأنا. ومن عادة الثقيل الإبطاءُ، كما أنّه من عادة الخفيف الإسراعُ. فنحن والجنّ من الثقلين. ونحن أثقل من الجنّ؛ للركن الأغلب علينا، وهو التراب. فالإنسانُ آخِرُ موجود في العالَم، لأنّ المختصَر لا يختصَر إلّا من مطوَّل، وإلّا فليس بمختصَر. فالعالَم مختصَر الحقِّ، والإنسانُ مختصَر العالَمِ والحقِّ. فهو نقاوة المختصَر، أعني الإنسان الكامل. وأمّا الإنسان الحيوان فإنّه مختصَر العالَم، وله يَفرغ الحقُّ ليقيم عليه ميزان ما خُلِق له، فإنّ قولَه: ﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ﴾ كلمةُ تهديد، والإنسان الكامل لا يتوجّه عليه هذا الخطاب”[80].
لماذا سخرت المخلوقات للإنسان الكامل:
هناك أمر أساسي اقتضته رتبة الإنسان الكامل كونها أعلى الرتب في العالم، وهذا الأمر هو لزوم حصوله على كل ما هو محتاج إليه، وإلّا كان ذلك نقصا في حقه. ولهذا “فإنّ كلّ شيء خلِق له، ومن أجله، وسخِّر له؛ لِمَا علم الله من حاجته إليه، فليس له غنى عنه. والحاجة لا تكون إلّا لمن بيده قضاؤها، وليس إلّا الله الذي بيده ملكوت كلّ شيء، فلا بدّ أن يتجلّى لهذا الإنسان الكامل في صورة كلّ شيء، ليؤدّي إليه، من صورة ذلك الشيء، ما هو محتاج إليه، وما يكون به قوامه”[81].
ثمّ “لمّا علم أنّ الله ما سخّر العالم لهذا الإنسان، إلّا ليشتغل العالَم، بما كلَّفهم من التسخير، عن طلب العلم به من حيث الشهود؛ فإنّ ذلك ليس لهم لأنّهم نازلون عن رتبة الكمال؛ أظهرَ الإنسانُ الكاملُ الحاجةَ لما سخّر فيه العالم، فقوي التسخير في العالم لئلّا يفرِّطوا فيما أمرهم الحقُّ به من ذلك؛ لأنّهم لا يعصون الله ما أمرهم؛ فوافق الإنسانُ الكاملُ -بإظهار هذا الفقر- الحقَّ في إشغال العالم. فكان حقّا في فقره، كالأسماء، وحقّا في غناه، لأنّه لا يرى المسخِّر له إلّا مَن له الأثر؛ وهو للأسماء الإلهيّة، لا لأعيان العالم. فما افتقر إلّا لله في أعيان العالَم، والعالَم لا علم له بذلك”[82].
قضيتان هامتان نلتمسهما من الشيخ الأكبر هنا:
- خلافة الإنسان تقتضي كمال الصورة الإلهيّة فيه؛ ولا يسمّى خليفة إلا عند ذلك؛ فالعالَم لا ينظر إلّا إليها، ومن مقتضياتها سجود الغير له.
في هذا الصدد يدلّل الشيخ الأكبر بأنّه “لمّا لم تر الملائكةُ من آدم إلّا الصورة الطبيعيّة، الجسميّة، المظلمة، العنصريّة، الكثيفة، قالت ما قالت. فلمّا أعلمهم الله بكمال الصورة فيه، وأمرهم بالسجود له؛ سارعوا بالسجود، ولا سيّمَا وقد ظهر لهم بالفعل في تعليمه الأسماءَ إيّاهم. ولو لم يعلّمهم، وقال لهم الله: “إنِّي أعطيته الصورة والسورة” لأخذوها إيمانا، وعاملوه بما عاملوه به لأمر الله”[83].
- للسجود ديناميكية غير معهودة لم تتوقف عند المدلول الظاهري اللحظي. بل له مفهوم متميز بشكله وديمومته. فالسجود هو التطأطؤ والانخفاض، وهذا السجود لم يتوقف منذ أمر الله الملائكة بالسجود لآدم.
في هذا الشأن يذكر الشيخ الأكبر عند استعراضه حديث “ازدحام الملأ الأعلى” أنّ عند الملأ الأعلى ازدحام لرؤية الإنسان الكامل، كما يزدحم الناس عند رؤية الملِك إذا طلع عليهم؛ فأطّت السماء لازدحامهم، ولمّا أَطّتِ السماء بعُمّارها، قال e: «وحقّ لها أن تئِط، ما فيها موضع شبر إلّا وفيه ملَك ساجد لله»، فأخبر في قوله: «ساجد لله» ينبِّه على نظر كلّ ملَك في السماء إلى الأرض، لأنّ السجودَ (هو) التطأطؤ والانخفاض، وقد عرفوا أنّ الأرض موضع الخليفة، وأُمِروا بالسجود؛ فتطأطأوا، عن أمر الله، ناظرين إلى مكان هذا الخليفة، حتى يكون السجودُ له، لأنّ الله أمرهم بالسجود له؛ ولم يزل حُكم السجود فيهم لآدم وللكامل أبدا دائما”[84].
ويسري هذا الأمر على المخلوقات الأخرى كلها التي جعلها الله مسخرة للإنسان، إذ التسخير إنما هو التذليل والانقياد.
هل الكمال الإنساني متاح لأفراد البشر
استعداد قبول الكمال متوفر لدى كل إنسان:
هنا نصل إلى تساؤل هام، يبحث عن مدى توفر الفرص أمام أيّ إنسان للارتقاء في معارج الكمال، حتى يصير طلبه ممكنا من قبل كلّ أحد.. أم أنه لا سبيل إلى ذلك؟
ينبّه الشيخ الأكبر هنا على أمر بديهي؛ وهو أنّه لو لم يكن لدى الإنسان -أيّ كان هذا الإنسان- استعداد لقبول الكمال لما تعيّن تنبيهه من الأساس! يقول الشيخ: “فإنّك على استعداد قبول الكمال لو عقلت؛ ولهذا تعيّن التنبيه والإعلام من العالِم. فلو لم تكن على استعداد يقبل الكمال، لم يصحّ التنبيه، ولكان التعريف بذلك عبثا وباطلا. فلا تلومنّ إلّا نفسك في عدم القبول لما دُعِيتَ إليه، فإنّ الداعي ما دعا إلّا على بصيرة، ليلحقك بذاته في البصيرة”[85]. فإنّ الإنسان “بما هو إنسانٌ هو قابلٌ للصورة، إذا أُعْطِيَها لم يمتنع من قبولها؛ فإذا أُعطيها؛ عند ذلك يكون على الصورة، ويُعَدُّ في جملة الخلفاء”[86].
مادام الأمر كذلك، وصار باب الأمل مفتوحا، فلنسأل شيخنا عن هذا الطريق لنسلك عليه لتحصيل هذه المرتبة.. فيأتينا الجواب قاطعا وواضحا؛ وهو أنّ “الإنسان، لَمّا كان مجموعَ العالم، ونسخةَ الحضرة الإلهيّة، التي هي: ذات، وصفات، وأفعال، احتاج إلى مُطْرِق يُطرِق له السلوك عليها والسفر فيها، ليرى العجائب ويقتني العلوم والأسرار؛ فإنّه سفرُ تجارة. فكان المُطرِقُ (هو) الشارع، والطريق المطرَقة (هي) الشريعة. فمن سافر في هذه الطريق وصل إلى الحقيقة. فثمّ سفر بحقّ، وسفر بخلق. فالسفر بالحقّ على نوعين: سفر ذات، وسفر صفة. والإنسان الكامل يسافر هذه الأسفار كلّها”[87].
الإنسان الكامل هو محمد e:
ورد تعبير الخلافة في القرآن الكريم مرتين: الأولى في آدم u بقوله تعالى للملائكة: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾[88] والثانية في داود u: ﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ﴾[89]. ومعلوم أنّ الخلافة هنا تعني كمال من خوطب بها.
ويستنطق الشيخ الأكبر شواهد عدّة، ليستخلص منها أنّ أعلى مرتبة في الكمال الإنساني إنما تفرّد بها سيدنا محمد e، يليه في ذلك الأنبياء والرسل -صلوات الله عليهم أجمعين- يليهم الأولياء وهم الورثة y.
من الشواهد التي ذكرها الشيخ الأكبر على هذا الترتيب الآتي:
- إنّ “القرآن، من الكتب والصحف المنزّلة، بمنزلة الإنسان من العالَم. فإنّه مجموع الكتب، والإنسان مجموع العالَم، فهما إخوان، وأعني بذلك الإنسان الكامل؛ وليس ذلك إلّا مَن أُنزل عليه القرآن من جميع جهاته ونِسبه. وما سِوَاهُ مِن ورثته إنما أُنزل عليه من بين كتفيه، فاستقرّ في صدره عن ظهر غيب وهي الوراثة الكاملة”[90].
- يقول e: «آدَمُ فَمَنْ دُونَهُ تَحْتَ لِوَائِي وَلَا فَخْرَ»[91] فآدم ومن دونه إنما كانوا “نوّابه في عالَم الخلق، وهو (ص) روحٌ مجرَّد، عارفٌ بذلك قبل نشأة جسمه. قيل له: «متى كنتَ نبيّا؟ فقال: كنتُ نبيّا وآدم بين الماء والطين» أي لم يوجد آدم بعد”[92].
- يقول e: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلَا فَخْرَ»[93]، ولذلك فإنه لمّا جعل الله “منزل محمد e السيادة فكان سيّدا، ومن سِوَاهُ سُوقة، علِمنا أنّه لا يقاوَم؛ فإنّ السُّوقة لا تقاوِم ملوكها. فله منزل خاصٌّ وللسُّوقة منزل. ولمّا أُعطي هذه المنزلة وآدمَ بين الماء والطين، علِمنا أنّه الممدّ لكلّ إنسان كامل، منعوت بناموس إلهيّ أو حكميّ. وأوّل ما ظهر من ذلك في آدم، حيث جعله الله خليفة عن محمد e؛ فأيّده بالأسماء كلّها من مقام جوامع الكلم التي لمحمد e، فظهر بعلم الأسماء كلّها على من اعترض على الله في وجوده، ورجّح نفسه عليه”[94].
- قال e:«.. وسألني ربي فلم أستطع أن أجيبه فوضع يده بين كتفي فوجدت بردها فأورثني علم الأوّلين والآخرين»[95]، ولمّا كان الكمال قد ظهر “في آدم u في قوله -تعالى-: ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا﴾ فأكّدها بالكلّ. وهي لفظة تقتضي الإحاطة. فشهد له الحقّ بذلك”[96]. فإنّ هذا الكمال ظهر في محمد e أيضا؛ “فعلّمه عِلم الأوّلين والآخرين؛ فدخل عِلمُ آدم في عِلمه؛ فإنّه من الأوّلين. وما جاء بالآخرين إلّا لرفع الاحتمال الواقع عند السامع.. وهو e قد «أُوتي جوامع الكَلِم» بشهادته لنفسه”[97].
خلفاء الإنسان الكامل ومنازلهم:
يذكر الشيخ الأكبر صورة العلاقة بين الإنسان الكامل وخلفائه بأنّ الله “جعل الإنسان الكامل خليفةً عن الإنسان الكلّ الكبير، الذي هو ظلّ الله في خلقه من خلقه. فعن ذلك هو خليفة. ولذلك هم خلفاء عن مستخلِف واحدٍ. فهم ظلاله، للأنوار الإلهيّة، التي تقابل الإنسان الأصلي. وتلك أنوار التجلّي تختلف عليه من كلّ جانب؛ فتظهر له ظلالات متعدّدة على قدر أعداد التجلّي. فلكلّ تجلٍّ فيه نور يعطي ظِلًّا من صورة الإنسان في الوجود العنصريّ؛ فيكون ذلك الظلّ خليفة؛ فيوجد عنه الخلفاء خاصّة”[98].
ويبيّن مراتبهم بقوله: “إنّ مرتبة الإنسان الكامل من العالم، مرتبة النفس الناطقة من الإنسان؛ وهو الكامل الذي لا أكمل منه، وهو محمد e. ومرتبة الكُمَّل من الأناسِي النازلين عن درجة هذا الكمال، الذي هو الغاية من العالَم؛ منزلة القوى الروحانيّة من الإنسان؛ وهم الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم-. ومنزلة مَن نزل في الكمال عن درجة هؤلاء من العالَم؛ منزلة القوى الحِسّيّة من الإنسان؛ وهم الورثة y. وما بقي ممن هو على صورة الإنسان في الشكل، هو من جملة الحيوان؛ فهم بمنزلة الروح الحيواني في الإنسان الذي يعطِي النموّ والإحساس”[99].
وفي هذا الإطار يتحدث أديب الصوفية وشاعرهم الإمام جلال الدين الرومي، ببساطة تعبيره وقوّة دلالته، ليزيل العجب الذي يمكن أن يرتسم على بعض الوجوه أو العقول، فيقول: “فما العجب في أن يكون لإنسانٍ واحدٍ من بين الناس خصوصيّة أن يضع قدمه على رأس كَيْوان [زحل]؟ ألسنا جميعا من جنس التراب؟ فوضعَ الحقُّ تعالى فينا القوّةَ التي صِرنا بها متميّزين عن جنسنا، ومتصرّفين بتلك القوّة، وصار ذلك الجنس تحت تصرّفنا؛ فنحن نتصرّف بالطريقة التي نشاء؛ نرفعه تارةً ونخفضه تارةً؛ نشكّل منه قصْرًا تارة، وكوبًا وكوزًا تارة، نمدّه تارةً ونقصره تارةً. فإذا كنّا في البدء ذلك الترابَ نفسه ومن صميم جنسه، ثمّ ميّزَنا الحقُّ تعالى بتلك القوّة، فما الغريب في أن يميّز الحقُّ تعالى منّا، نحن الجنس الواحد، واحدًا، نحن نسبةً إليه كالجماد، وهو يتصرّف فينا، ونحن غير مطّلعين عليه، بينما هو مطّلعٌ علينا؟”[100].
واجبنا تجاه الإنسان الكامل
نصل في الختام إلى جوهر الموضوع المتعلق بالبشر تجاه الإنسان الكامل؛ ما هو السلوك اللازم اتخاذه تجاهه؟ خاصة وقد تبيّن لنا أنّ للإنسان الكامل خلفاء، ولا يخلو عصر من خليفة له ظاهر أو خفيّ..
يبيّن لنا الشيخ الأكبر أنّ اللازم علينا وجوب طاعته وامتثال أمره، فإنه بعد عِلمنا “أنّ الله ما عظّم الإنسانَ الكامل على مَن عظّمه إلّا بالخلافة”[101]. وأنّه “لا يكون خليفةً إلّا مَن له الأسماء الإلهيّة بطريق الاستحقاق، أي هو على تركيب خاص يقبلها؛ إذ ما كلّ تركيب يقبلها”[102]. وأنّ الإنسان الكامل نائب عن الحقّ في الظهور للخلق.. “فمن رأى، أو مَن علِم الإنسانَ الكاملَ الذي هو نائب الحقّ؛ فقد علم مَن استنابه واستخلفه؛ فإنّه بصورته ظهر. وأمرنا بالطاعة لأُولِي الأمر، كما أمرنا بالطاعة لله ورسوله، وأن لا نُخْرِج يدا من طاعة فنموت ميتة جاهليّة. والجهل أشدّ ما على الإنسان”[103].
بعد هذه الإطلالة السريعة -وهي التي اقتصرت على بعض مناحي الصورة للإنسان الكامل عند الشيخ الأكبر- يتضح لنا مدى الإهتمام الذي أولاه لهذا الموضوع، والذي كشف فيه -لأوّل مرة- وجوها عدة من مقتضيات صورة الإنسان الكامل لم يُسبق إليها، واتسمت جوانب هذه الصورة بالتكامل والوضوح.. وصارت مرجعا ألهم من جاء بعده لشرح وتبيان هذه النظرية التي صارت واحدة من أهم نظريات التصوف في الإسلام.
ويجدر التنويه إلى أنّ ما سبق لا يعني -بالضرورة- أنّ مفهوم الإنسان الكامل لم يكن معلوما عند العلماء العارفين من أهل طريق الله، ولكنّا نريد به أنه لم يبلور معانيه ووجوهه بشكل متكامل وبصورة مكتوبة -حسب علمنا- أحد قبل الشيخ الأكبر، كما أنه لم يحمل هذا العنوان ويصبح مسماه الذي يعرف به إلا حين أعطاه إياه الشيخ الأكبر محيي الدين بن العربي -قدس الله سرّه-.
المراجع
القرآن الكريم
أحكام القرآن، أبو بكر بن العربي المعافري
أخبار الحمقى والمغفلين، ابن الجوزي
أخبار الحمقى والمغفلين، أبو الفرج ابن الجوزي
الإمتاع والمؤانسة، أبو حيان التوحيدي
البدء والتاريخ، المطهر بن طاهر المقدسي
البيان والتبيين، أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ
تفسير الألوسي ، شهاب الدين محمود بن عبد الله الحسيني الألوسي
تفسير الرازي، فخر الدين الرازي
تفصيل النشأتين وتحصيل السعادتين، الراغب الأصفهانى
ثمار القلوب في المضاف والمنسوب، أبو حيان التوحيدي
الحيوان، أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ
الرسائل، ابن حزم الأندلسي
الرسائل، أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ
سنن ابن ماجة، ابن ماجة
سنن الترمذي، أبو عيسى الترمذي
صحيح البخاري، الإمام البخاري
العقد الفريد، ابن عبد ربه الأندلسي
غريب القرآن، الراغب الأصفهاني
الفتوحات المكية، محيي الدين بن العربي
الفروق اللغوية، أبو هلال العسكري
الفهرست، ابن النديم
قوت القلوب، أبو طالب المكي
كتاب فيه ما فيه، جلال الدين الرومي
المستدرك على الصحيحين، أبو عبد الله الحاكم النيسابوري
مسند أحمد، أحمد بن حنبل
الملل والنحل، أبو الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني
الهوامل والشوامل، أحمد بن محمد بن مسكويه
هوامش
[1] اعتمد هذا البحث على مسح ما يزيد قليلا عن 1800 كتاب في مختلف جوانب المعرفة تضمنتهم المكتبة الشاملة الرقمية في نسختها الأولى من الإصدار الثالث.
[3] الإمتاع والمؤانسة ص: 45
[4] الهوامل والشوامل ص: 10
[5] تفصيل النشأتين وتحصيل السعادتين ص: 3
[6] فيثاغورث أو فيثاغورس الفيلسوف المشهور المذكور من فلاسفة يونان وحكمائهم كَانَ بعد أبيذقلس الحكيم بزمان وأخذ الحكمة عن أصحاب سليمان بن داود النبي بمصر حين دخلوا إليها من بلاد الشام وَقَدْ كَانَ أخذ الهندسة قبلهم عن المصريين ثُمَّ رجع إِلَى بلاد يونان فأدخل إليهم علم الهندسة وَلَمْ يكونوا يعلمونها قبل ذَلِكَ وأدخل إليهم علم الطبيعة أيضاً وعلم الدين واستخرج بذكائه علم الألحان وتأليف النغم وأوقعها تَحْتَ النسب العددية وادعى أنه استفاد ذَلِكَ من مشكاة النبوة..” (أخبار العلماء بأخيار الحكماء [ص 110])
[8] انكساغورس حكيم مشهور مذكور كَانَ قبل أرسطوطاليس وعاصره وهو من مشاهير الفلاسفة ومذكور بهم. (أخبار العلماء بأخيار الحكماء [ص 31])
[10] تفسير الرازي [9 /34]
[11] تفسير الرازي [9 /224]
[12] تفسير الرازي [9 /428]
[13] لم تتيسر لنا معرفة ذكره له في بقية كتبه.
[14] الفتوحات المكية 1-12، للشيخ الأكبر محيي الدين بن العربي، تحقيق عبد العزيز المنصوب، إصدار وزارة الثقافة اليمنية، طبعة أولى 2010م
[39] لا يتركنا شيخنا نقع في سوء الفهم بسبب التعميم في معاني الألفاظ، ولذلك نجده يشير إلى “أنّ الظهور، الذي نحن بصدده، ينقسم الظاهر فيه إلى قسمين: قسم له ظهوره خاصّة، وليس له أمرٌ يعتمد عليه ظهورُه من جانب الحقّ. وقسمٌ آخر يكون له من جانب الحقّ أمرٌ يعتمد عليه؛ وليس ذلك إلّا للإنسان الكامل خاصّة؛ فإنّ له الظهور والاعتماد، لِكَوْن الصورة الإلهيّة تحفظه حيث كان…. كذلك الصورة الإنسانيّة، في حضرة الإمكان، لمّا قبِلت الصورة الإلهيّة، لم تظهر على حكم المتجلّي مِن جميع الوجوه، فحكم عليها حضرة المجلى وهي الإمكان، بخلاف حكم حضرة الواجب الوجود لنفسه؛ فظهر المقدار والشكل الذي لا يقبله الواجب، وهو الناظر في هذه المرآة. فهو من حيث حقائقه كلّها هو هو، ومن حيث مقداره وشكله ما هو هو؛ وإنما هو من أثر حضرة الإمكان فيه”. (ف. م: ج 8 ص 40)
[55] سنن الترمذي (11 / 214)
[56] صحيح البخاري (20 / 158)
[92] (ف. م.) ج 2، ص 23 وورد الحديث في المستدرك على الصحيحين للحاكم (9 / 485)، وختامه: “وآدم بين الروح والجسد”
[93] سنن ابن ماجه (12 / 366)
[95] تفسير الألوسي (11 / 380)
[100] كتاب فيه ما فيه ص 317
[103] انظر (ف. م.) ج 8، ص 526